جاري تحميل ... بوابة البحيرة الإخبارية

أخبار ساخنة

إعلان في أعلي التدوينة


ايمن ابوالمعاطي - يكتب - المرأة النطرونية قاهرة المستحيل...

ايمن ابوالمعاطي - يكتب - المرأة النطرونية قاهرة المستحيل...

احتفل العالم يوم الأحد الماضي الموافق ٨ مارس  باليوم العالمى للمرأة اعترافا وتقديراً لدورها وأهميته ونضالها وتضحياتها والراجح أن السر في إختيار يوم الثامن من مارس للإحتفال يرجع لخلفية تاريخية وهي مظاهرة الخبز اليابس والورد الشعار الرمزي لإضرابات النساء فى الولايات المتحدة الأمريكية تنديدا بظروف العمل القاسية سنة 1908 وتعمل كل دولة على حشد الدعم لصالح حقوق المرأة التي تكفل المساواة بين الجنسين لاسيما في العمل بوظائف متساوية. 



ايمن ابوالمعاطي - يكتب - المرأة النطرونية قاهرة المستحيل...

ومع كل عام يتجدد فيه الإحتفال تظل المرأة النطرونية هي أيقونة العطاء عبر الأجيال وأكسير الحياة وإن ضاقت فهي التي أنجبت المعلمة والمهندسة والطبيبة والمحامية والباحثة في شؤن العلم والإعلامية والكاتبة الراقية التي يجهل قدرها الجاهلون.
ولا ينكر فضل النطرونية التي تحملت مواجهة الصعاب إلا لئيم فهي التي واجهت جنود الحملة الفرنسية بذكائها ودهائها وأنتصرت عليهم بصدق العزيمة التي يئس منها المدججين بالقوة وتفوح منهم روائح الاستبداد والبطش وهي من لقنت الإجرام درساً قاسياً عندما صفعت المحتل الإنجليزي "rakuh" على وجهه ولم تخف منه فأجبرته على الجلاء  منكسً الرأس بعدما انتقمت من غير شفقة ولا رحمة لمن عاشوا تحت وطأة تعذيب الإحتلال الذي التهم ثروات الوادي من أخمص القدم إلى أعلى الرأس وكانت شرارة المقاومة الاولى التي وئدت في مهدها.
عاشت حياة البناء قاهرةً للمستحيل وهي تبني جيلا بعد جيل فكانت الداعم الأساسي والقوة المساندة للرجل الذي شاء القدر أن يكون مطروحاً بين مطرقة الإستعباد وسندان السُخرة زمن المالكية الظالمة فكانت شريكاً ناجحاً في تغير لون الحياة الصحراوية  في القطاع الشرقي للصحراء الغربية (وادي النطرون) من الأصفر المُتعب للأنظار إلى أخضر يسر الناظرين.

كانت تقطع عشرات الكيلومترات وسط الدروب الصحراوية ذات الرمال السافية لتحطتب (تجمع كل ما جف من زرع وشجر لتُوقِد به النار)
بخلاف جذوع شجر الأثل والفروع التي كانت تستخدمها حملات لسقف البيت الطيني الذي كانت تستخرج لبناته من طين الأرض الرطبة المشبعة بماء الرشح وعلى عتباته كانت تُضفر نبات الحلفا وتَجدل أعواد البردي وتنسج حصير السمار على منوال العطاء لتبلغ المجد وهي تُكابد المشاق وتلعق الصبر.

عاشت حياة أضيق من حدقة البعير.. القوت فيها كسر الخبز اليابس المرطب بماء الملح.
شاركت في ثورة التنمية وساهمت في صناعة المستقبل بوضع البصمة المضيئة على جبين الوطن وهي من رفعت شعار "صنع في وادي النطرون" حتى تبؤت ذات اليد الناعمة مكانة الصانع الماهر في تجميع مكونات الراديو الترانزستور والساعة ذات العقارب اللامعة التي تلاحق بعضها البعض في وحدات إنتاج السجاد والكليم والكتان ومصنع الذهب الأحمر (الصلصة) رغم العزلة القهرية عن فئات وطبقات الجمهورية المصرية حتى بعد التمصير ورغم قلة بل نُدرة التعليم والفقر المدقع ذو الجذور الضاربة في جنبات الوادي الذي كان لا يُقبل عليه الناس (قديماً) حتى منتصف تسعينات القرن العشرين.

أنها أيقونة النضال التي أنجبت الشهيد من رحم طاهر ليقدم روحه فدائاً للوطن الكبير "مصر" فتعطرت بدمائه الذكية أرض فلسطين في حرب ١٩٤٨ وحرب ١٩٥٦ وحرب ١٩٦٧ وحرب أكتوبر المجيدة ١٩٧٣ كما تعطرت ميادين البطولة والتضحية بطيب سيرتهم الحسنه جنود وضباط وقادة عسكريين شهد لهم التاريخ بالوطنية والإنتماء.
ومع إصدارالقانون رقم ١٢٤ الخاص بإنشاء المحافظات عام 1960 كانت تبعية وادي النطرون لمحافظة البحيرة "مدينه" ذات القسم الواحد فكان للمرأة النطرونية دورا بارزا في الحياة السياسية مع ميلاد الإتحاد الإشتراكي ١٩٦٢. تقلدت المناصب السياسية منذ عام 1979 مع إصدار القانون رقم 43 فازت بعضوية المجلس الشعبي لمحافظة البحيرة ثم خاضت المنافسات والمناورات السياسية على مقعد المرأة بكافة مستويات المجالس الشعبية المحلية.

ويؤكد واقع المراة النطرونية مدى التقدم الملحوظ والإنخراط المشهود في شتى المجالات والأنشطة الإجتماعية والسياسية والنقابية دون تعارض مع ممارسة طقوس حياتها البيتوتية من اعداد العجين وخبزه والطهي والغسيل علاوة على تجهيز وترتيب منزل الأسرة والعائلة مضافا الى هذا كله المهمة التي ليست  بالسهلة او الهينة وهي تربية الأولاد مؤكدة لأقرانها في المدن الأخرى أنها ستبقى أيقونة العطاء الإجتماعي والثقافي والإبداعي كاسرة جمود الحصار المضروب حولها لتغير النظرة الدونية والتقليل من شأنها والتصدي لأكاذيب الحمقى والقاصدين تشويه أفكارها وتعطيل منابع إبداعها ووصفها بالعضو المشلول والمعطل.. كيف؟! وهي من انجبت مديرة مدرسة علي بن أبي طالب في جنوب سيناء الحاصلة على المركز الأول على مستوى خليج العقبة وتنافس على المراكز الأولى جمهورية وهي أيضاً من أجبت مديرة شؤون الطلبة بمديرية التربية والتعليم بمحافظة مطروح الحاصلة على لقب المدير المتميز.. إنها المرأة النطرونية في المحافظات الحدودية.

 زَعمُ باطل انها غير مثقفه فإذا اتخذت من الفضاء الأزرق مساحة تكتب عليها ما يجول بخاطرها ويُعبر عن هويتها الثقافية التي تمتزج مع مجموع القيم والعادات والتقاليد التي نشأت وترعرعت فيها كانت مثار حسد أقرانها في كثيرٍ من الأحيان رغم تكالب المحن والظروف عليها وتكرر الأزمات إلا أنها مُصرة على مواصلة مشوار الحياة والإستمتاع بكل ما فيها تحت مظلة التفاؤل والأمل التي تُطل على مستقبل أفضل.

ختاما نرفع قبعة الإحترام والتقدير لكل من نظر للمرأة النطرونية بعين الإنسان السامي نظرة إنصاف لتتضح حقيقة وجودها وقيمة دورها البارز في المجتمع الذي ألقى بثوب الماضي على وجه الحاضر فابتسم.

إعلان أسفل المقال